أجرى الحوار: فيصل الشبول حينما تتاح لك الفرصة لحوار مع جلالة الملك عبدالله الثاني، تزدحم في رأسك الأسئلة، وتزدحم أولوياتها أيضا بين هموم الداخل وكوارث الإقليم. طوال الطريق إلى قصر الحسينية حيث تشرفت بلقاء جلالته أعدت ترقيم أسئلتي عدة مرات خشية أن يدركني الوقت فلا أسأل كل ما في جعبتي.
لكنني، وما أن صافحت جلالته وسألني عن أحوالي حتى اختفت الأسئلة والأولويات إذ عاجلته بسؤالي: ما هو همكم الأكبر هذه الأيام؟ أكثر من ستة ملايين مواطن أردني هم أولويتي، ظروفنا الاقتصادية صعبة، ولكن واجبنا أن نحميهم وأن نحمي ذوي الدخل المحدود والطبقة الوسطى، فإذا استطعنا اتخاذ خطوات مدروسة وتجاوزنا ما يواجهنا اليوم من صعوبات فسنكون في وضع يسمح لنا بالبناء لما هو أفضل لاحقا.
قلت لجلالته: وما الذي يدعو إلى الارتياح بالمقابل؟ أجاب جلالته بأن بلدا كالأردن يعيش في إقليم مضطرب ويجري انتخابات نيابية ومحلية خلال عام واحد بكل نزاهة وشفافية وينتج تمثيلا شعبيا هو الأكبر في تاريخ المملكة أمر يدعو للثقة والتفاؤل وهو دليل على نجاح أجهزة ومؤسسات الدولة.
أما على صعيد المنطقة من حولنا، فإن وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا يوفر فرصة لإيجاد حل سياسي، كذلك فإن التطورات الإيجابية في الحرب على الإرهاب تدعو للتفاؤل أيضا.
جلالة الملك سيتوجه الأسبوع المقبل إلى نيويورك للمشاركة في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة وهي فرصة سنوية للقاء قادة العالم.
سألت جلالته عن فرص إيجاد حل للقضية الفلسطينية هذه المرة، فقال: إن الرئيس الأمريكي يواصل اهتمامه المباشر لإيجاد حل خلال الأشهر القادمة، حيث أنه يفكر بأسلوب جديد للتعامل مع هذه القضية التاريخية.
وعندما سألت جلالته عن مدى تفاؤله بهذا الأسلوب الجديد، أجاب بأنه لا بديل عن التفاؤل دائما، ولا بد أن نقف مع كل من يريد العمل للتوصل إلى حل.
وعدت لسؤال جلالته عما إذا كان في الأفق ما يسعفنا على التخفيف من وطأة ظروفنا الاقتصادية حاليا؟ أجاب جلالته: لا بد أن نعمل لتجاوز الاعتماد على المساعدات لحل أزماتنا، صحيح أن هنالك دولا صديقة ما زالت تساعدنا بصورة أو أخرى، ولكن علينا الاعتماد على أنفسنا لبناء جسور من التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري مع آسيا وإفريقيا وأوروبا وأميركيا.
واستدرك جلالته: للأعباء الاقتصادية التي نتحملها جذور كثيرة منها تعود لظروف وتطورات المنطقة المحيطة بِنَا، فالربيع العربي وظروف سوريا والعراق جعلتنا في وضع صعب، واستمرار تلك الظروف يلقي علينا المزيد من الأعباء، ولكن هنالك مؤشرات طيبة ولا سيما على صعيد خفض التوتر في سوريا من جهة وافتتاح معبر طريبيل مع العراق من جهة أخرى قد تساعد في تخفيض الضغط علينا .
وفيما يلي تفاصيل الحوار: وكالة الأنباء الأردنية: جلالة الملك، يشهد الشأن المحلي العديد من التطورات والأحداث المتسارعة. آخرها كان الانتخابات البلدية ومجالس المحافظات (اللامركزية). كيف تقيمون العملية الانتخابية ومخرجاتها؟ جلالة الملك: بدأ الأردن بخطواته الأولى في تطبيق مشروع اللامركزية الإدارية، بهدف منح الإدارات المحلية سلطات أكبر، وتبني نهج ديمقراطي يقوم على تعزيز مشاركة المواطن في تحديد الأولويات والاحتياجات التنموية والخدمية والاستثمارية في منطقته، الأمر الذي يسهم في توزيع أكثر عدالة للموارد على المحافظات ويشكل الأولويات المحلية بما ينعكس إيجاباً على التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
فأعضاء مجالس المحافظات المنتخبين من قبل المواطنين أنفسهم هم أدرى باحتياجات مناطقهم. وهم مطالبون بالتواصل المباشر والمستمر مع مجتمعاتهم من أجل تحقيق التنمية المنشودة. وبهذه الصورة، سيتمكن أعضاء مجلس النواب من التفرغ لأداء الواجبات التشريعية والرقابية، دون أن ينهمكوا في متابعة المطالب الخدمية بشكل خاص لمناطقهم.
ومن أكثر الأمور التي أثارت اهتمامي العدد الكبير من المترشحين للانتخابات البلدية ومجالس المحافظات وفئاتهم العمرية الشابة، وهو ما يشير إلى حماس الأردنيين واستعدادهم لأخذ زمام المبادرة والانخراط في العمل العام على المستوى المحلي.
وبدون شك، فإن نجاح أجهزة ومؤسسات الدولة في إجراء الانتخابات المحلية والنيابية، خلال أقل من عام، بكل نزاهة وشفافية، أنتج تمثيلا شعبيا يعد الأكبر في تاريخ الأردن، ويؤكد أن الأردن يمضي قدما وبخطى واثقة في مسيرته الإصلاحية الشاملة وتعزيز ديمقراطيته، رغم الأزمات التي تعصف بالإقليم، وغياب الاستقرار فيه.
وكالة الأنباء الأردنية: فعلاً، يبدو المشهد العام في الأردن كورشة إصلاحية مستمرة. هل جاءت حزمة التشريعات المرتبطة بإصلاح القضاء وسيادة القانون في هذا السياق، وهل أنتم راضون عما أنجز في هذا المجال؟ جلالة الملك: دعني أؤكد، أخي فيصل، أن الرضا عن الإنجاز في ما يتعلق بالإصلاح هو حافز ورسالة لإنجاز المزيد وليس الاكتفاء بما تم تحقيقه.
وانطلاقاً من إيماننا بأهمية شمولية الإصلاح، تم تشكيل اللجنة الملكية لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون، كخطوة من الخطوات المرتبطة بالورقة النقاشية السادسة، حيث قدمت اللجنة توصياتها للنهوض بالقضاء وتعزيز فاعليته، وتسريع إجراءات التقاضي، بما يضمن تحقيق العدالة وحصول المواطن على حقوقه ضمن مدد زمنية معقولة.
الكل يعلم أن التوصيات التي رفعتها اللجنة، قد تُرجمت إلى حزمة التشريعات ذات العلاقة بتطوير الجهاز القضائي، وأقرها مجلس الأمة مؤخرا، بما يعكس علاقة عمل إيجابية وتشاركية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولطالما أكدنا أهمية هذه العلاقة بين السلطات. وسيكون لهذه التشريعات أثر إيجابي على عمل مرفق القضاء، وثقة المواطنين بسيادة القانون والعدالة، وثقة المستثمر بالأردن.
وتضمنت التوصيات أيضاً الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في جميع الإجراءات القضائية، وإنشاء غرفة اقتصادية تختص بالنظر في القضايا التجارية ذات الأهمية الاقتصادية، بما يوفر بيئة قانونية آمنة للاستثمار.
ويتكامل مع هذه التشريعات الإجراءات الأخرى لتعزيز النزاهة في منظومة العمل الحكومي وإدارة الدولة الأردنية، وهي عملية مستمرة تبني على ما تم إنجازه.
فقد أقرت الحكومة الاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد 2017 – 2025 التي تهدف إلى خلق بيئة مناهضة للفساد وتجريم الواسطة والمحسوبية. ولن يكون هناك حماية لأي كان من أن تطاله يد القانون. وأود التأكيد هنا أن محاربة الفساد تتطلب تعاون جميع أجهزة الدولة ومكوناتها وأهمها المواطن نفسه، فظاهرة الواسطة على وجه الخصوص لا يمكن محاربتها دون رفض المواطنين القاطع لها ونبذها.
وفي الديوان الملكي، بادرنا لاعتماد ميثاق قواعد السلوك الوظيفي لكبار الموظفين فيه، وتبعه في ذلك القوات المسلحة الأردنية – الجيش العربي ودائرة المخابرات العامة، وذلك لإرساء منظومة قانونية أخلاقية تحكم العمل والأداء وتعزز الشفافية والمساءلة في العمل العام، وتحصن مؤسساتنا ومسؤولينا.
والحقيقة الثابتة هنا تتمثل في أن الإصلاح في الأردن عملية مستمرة ومتدرجة، وهدفها تحقيق الأفضل للمواطن الأردني وتمكينه من المشاركة الفاعلة في مسيرة البناء. نحن لن نقف عند محطة معينة، بل نسعى، ورغم التحديات الاقتصادية، والأزمات في الدول المجاورة، لأن نقدم نموذجا متميزاً للإصلاح المستمر في المنطقة.
وكالة الأنباء الأردنية: لكن جلالة الملك، ما زال هناك ظواهر وممارسات تشير إلى نوع من تحدي سيادة القانون والتجاوز عليه؟ جلالة الملك: لا بد من الـتأكيد هنا على أن سيادة القانون هي أساس حماية الحقوق الفردية والعامة وتعزيز العدل والمساواة، وهي جزء لا يتجزأ من مسيرة بناء الوطن وتقدمه. ولا يمكن قيام دولة مدنية حديثة دون أن تكون سيادة القانون عمادها وأساسها بالتوازي مع منظومة الأخلاق والقيم المجتمعية. إن تطبيق القانون ليس محصوراً بطرف واحد فالكل معني ومسؤول.
وصحيح أننا شهدنا بعض المحاولات للمساس بهيبة الدولة والاستقواء على القانون، إلا أن وعي شعبنا وكفاءة مؤسساتنا كانت ومازالت السد المنيع بوجه هذه المحاولات؛ فلا أحد فوق القانون ولا تهاون أبداً في تطبيقه، وأجهزتنا الأمنية تقف بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن يعكر صفو أمن الوطن والمواطن. فلا يوجد مكان لا تطاله أجهزتنا الأمنية ولا خارج عن القانون لن تصل إليه، وهذا قرار لا خطوط حمراء فيه، فالقانون فوق الجميع.
وكما أكدت، فإن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يترسخ إلا بوجود جهاز قضائي كفؤ ونزيه وفاعل، فسجل القضاء الأردني لطالما كان أقوى برهان على الكفاءة العالية والنزاهة التي يتمتع بها، ونعمل على تعزيز قدراته وإمكانياته.
وكالة الأنباء الأردنية: جلالة الملك، تشكل الأوضاع الاقتصادية الصعبة هاجسا لدى الأردنيين، فكيف يمكن تجاوز هذه الأوضاع، خصوصا في ظل التحديات التي تمر بها المنطقة؟ جلالة الملك: وهي هاجسي الأول الذي يؤرقني كما يؤرق أبناء وبنات شعبي، إذ ما زال الاقتصاد الأردني يعاني من تبعات الأحداث في المنطقة، وانغلاق الأسواق التصديرية وآثار اللجوء السوري، والتي شكلت بمجملها سبباً رئيسياً في تباطؤ نمو الاقتصاد الوطني خلال السنوات الماضية.
فالأردن أصبح أحد أكثر الدول استضافة لللاجئين، باستضافته حوالي 3ر1 مليون سوري، ما سبّب زيادة سكانية بنسبة 20 بالمئة واستنزاف ربع الموازنة.
إن ارتفاع معدلات البطالة وخاصة بين الشباب، وتدني نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة، يشكلان الهاجس الأكبر والأولوية القصوى بالنسبة لنا، وهي تتطلب وضع البرامج والمشاريع التي تتيح للشباب المزيد من فرص العمل، التي تضمن لهم ظروفا معيشية أفضل، وتزيد كذلك من مشاركة المرأة.
ولا بد من التأكيد هنا على أن تجاوز التحديات يكون ببناء اقتصاد قوي ومنيع في مواجهة ظروف إقليمية صعبة خارجة عن سيطرتنا، وهو ما نعمل جدياً على تحقيقه، عبر برامج إصلاح اقتصادي للوصول إلى نسب نمو توفر حياة كريمة للمواطن والاستقرار المالي والنقدي الذي يعزز ثقة المستثمرين بنا، كبلد آمن ومستقر ويمتلك كل مقومات البيئة المحفزة للاستثمار بهدف إيجاد فرص عمل أكثر لشبابنا.
أنا أعلم حجم المعاناة التي يعيشها المواطن بسبب التحديات الاقتصادية، وحجم ما يتحمله بلدنا. ولكن الواقع الذي لابد أن يدركه الجميع أنه لن يقوم أحد بمساعدتنا إن لم نساعد أنفسنا أولا. ولا بد من الاعتماد على أنفسنا أولا وآخرا.
المواطن ومستوى معيشته هو الأساس الذي أنطلق منه دائما في توجيه كل الحكومات، التي يجب أن يكون الهدف الاستراتيجي لسياساتها العامة هو حماية وتوسيع الطبقة الوسطى، لتشكل القاعدة العريضة في مجتمعنا، وتكون عماد الاستقرار والقوة المحركة للإنتاج والإبداع والتميز.
لذلك، الهدف الرئيسي أمامنا هو رفع نسب النمو لتحسين دخل المواطن ومستوى معيشته من خلال تطبيق خطة تحفيز النمو الاقتصادي للأعوام (2018 – 2022) التي أقرتها والتزمت بها الحكومة. ونحن نعول على هذه الخطة في وضع الأردن على مسار التنمية المستدامة، والوصول إلى اقتصاد قوي ومنيع، إلى جانب ما نقوم به من إصلاح مالي يرتكز على ضبط الإنفاق الجاري، والتصدي للتهرب الضريبي، وتقليص الاعتماد على المساعدات تدريجيا، من خلال توسعة الفرص الاقتصادية والاستثمارية والتنموية، وتوليد فرص عمل كافية وملائمة للشباب، والاستثمار في تطوير مواردنا البشرية، إضافة إلى تطوير المؤسسات الحكومية لتعمل بكفاءة عالية لتوفير الخدمات العامة للمواطنين.
وهنا لا بد من التأكيد على أن الظروف والتحديات الصعبة التي واجهها اقتصادنا خلال السنوات السابقة كان لها أثر كبير على الطبقة الوسطى، وارتفاع حجم البطالة ومستويات الفقر، لذلك وجهت الحكومة بأن تضمن في إجراءاتها عدم المساس بالطبقة الوسطى، وفئات الدخل المحدود، بل حمايتها وتوجيه الدعم لها أثناء تطبيق الإصلاحات المالية، حتى نتمكن من تجاوز التحديات أمامنا.
ولذلك على الحكومة وضع برامج زمنية ومؤشرات قياس واضحة لتطبيق خطة تحفيز النمو الاقتصادي على أرض الواقع وبالسرعة الممكنة، ليلمس المواطن الأردني آثارها من خلال رفع نسب التشغيل وتوفير فرص العمل، كجزء من الحماية الاجتماعية الحقيقية للمواطن، وتحسين نوعية الخدمات العامة، وإيجاد بيئة استثمارية محفزة.
وأؤكد هنا ضرورة توفير كل الإمكانيات وتعاون الجميع في سبيل إنجاح هذه الخطة، وهو ما نعمل على متابعته بشكل جاد مع الحكومة، ولا مجال للتهاون فيه.
وكالة الأنباء الأردنية: هل هناك تفاؤل بالعودة إلى السوق العراقية أو الانفتاح على أي أسواق جديدة؟ جلالة الملك: إن إعادة فتح معبر طريبيل، الشريان الحيوي بين الأردن والعراق، خطوة مهمة نحو تعزيز التجارة والاستثمار بين البلدين، وهو فرصة لنهوض القطاع الصناعي والتجاري والمالي الأردني وزيادة الصادرات بشكل عام. ونأمل زيادة وتيرة وحجم تدفق البضائع والصادرات وأن تسترد التجارة البينية مستوياتها السابقة بل أكثر من ذلك، حيث نسير قدما نحو بدء تنفيذ خط النفط بين البلدين، مما سيعزز التعاون والعلاقة الاقتصادية بينهما بشكل استراتيجي.
وبالتوازي مع جهود استعادة الأسواق التقليدية، نعمل بكل طاقتنا على فتح أسواق تصديرية جديدة وغير تقليدية أمام منتجاتنا الوطنية، خاصة في شرق القارة الإفريقية وتعزيز فرص الاستثمار مع الهند والصين، فالفرص هناك كبيرة ونتطلع إلى الاستفادة منها بشكل فعال، فالأردن يمتلك علاقات إقليمية ودولية متميزة وأقام اتفاقيات تجارة حرة مع أغلب الدول العربية والولايات المتحدة الأميركية، وترتيبات تجارية خاصة مع الاتحاد الأوروبي، وهذه فقط أمثلة، ما يعطينا ميزات نسبية جاذبة للاستثمار.
لدينا في الأردن قدرات وطاقات شبابية وإبداعية متميزة، وهو ما نسعى للبناء عليه خصوصاً في مجال تكنولوجيا المعلومات، ونعمل باستمرار على تشجيع وإقناع الشركات العالمية الكبرى بالاستثمار في الأردن، وذلك من أجل تعظيم الفرص أمام شبابنا واستفادتهم من خبرات وإمكانيات هذه الشركات والبناء عليها، وإبراز الأردن كمركز في مجال البرمجيات عالية الجودة، وقد نجحنا بالفعل في جذب مثل هذه الشركات ومن ضمنها شركات عالمية أمريكية. ولا ننسى الإمكانيات المهمة المتوفرة في شركاتنا الناشئة والمبتدئة، التي تعتبر متميزة على مستوى المنطقة.
وكالة الأنباء الأردنية: وبعد طريبيل، هل من المتوقع، إعادة فتح المعابر مع سوريا، خاصة في ظل نجاح الأردن بالتوصل لاتفاق وقف إطلاق نار مع روسيا والولايات المتحدة، الذي أنتج منطقة لتخفيف التصعيد في الجنوب السوري، أم هل ما يزال خطر الإرهاب والجماعات المسلحة يهدد حدود المملكة الشمالية؟ جلالة الملك: نحن معنيون جداً بالتطورات في جنوب سوريا، وأولويتنا القصوى حماية حدودنا الشمالية من الجماعات الإرهابية والمليشيات الأجنبية، والأردن مستمر بفاعلية في التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب.
وهناك تقدم جيد في الحرب ضد داعش، ما قد يدفع داعش جنوباً نحو الأردن، ونحن مستعدون وقادرون تماما على التعامل معهم بكل حزم، ومع أي تصعيد قد يشكل خطراً علينا، سواء أكان من داعش، أو أي مجموعات أجنبية تقاتل في سوريا، أو عمليات تستهدف المدنيين قريباً من حدودنا وتسبب موجات لجوء جديدة.
إن اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب غرب سوريا، الذي تم التوصل إليه مؤخرا بين الأردن وروسيا والولايات المتحدة الأميركية، يحقق مصالح مشتركة، ويمكن تطبيقه كنموذج في مناطق أخرى من سوريا، ومن شأنه أن يسهم في إيجاد البيئة المناسبة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، عبر مسار جنيف.
ولا بد بعد سبعة أعوام من الدمار والقتل والتشريد من الوصول إلى حل سياسي تقبله جميع الأطراف في سوريا، ومن شأنه إنهاء الأزمة، وضمان وحدة الأراضي السورية، وسلامة مواطنيها، وضمان مستقبل من السلام والعيش الكريم لكل السوريين.
وهذا هو موقفنا منذ بداية الأزمة ولم يتغير، وإذا ما سمحت التطورات والظروف الأمنية على الأرض بذلك، فمن الممكن العمل على فتح المعابر.
وكالة الأنباء الأردنية: في ظل هذه التطورات الإيجابية في الحرب على الإرهاب، هل نحن بصدد القضاء على المجموعات الإرهابية والدخول إلى مرحلة ما بعد داعش؟ جلالة الملك: أكدت أكثر من مرة أن الحرب ضد التطرف والإرهاب هي حرب دولية وطويلة الأمد، ونحن نراقب تحركات الإرهابيين والخوارج وتنقلهم في المنطقة وخارجها، والتطورات الإيجابية الأخيرة في الحرب على الإرهاب جاءت نتيجة تحسن التنسيق بين الجميع.
فالإرهاب عابر للحدود، وقد ضرب في أكثر من بلد وقارة، وبات خطره يستهدف الأمن والاستقرار في العالم أجمع، خاصة مع تضييق الخناق عليه في العراق وسوريا. ولهذا يجب الاستمرار بالعمل ضمن استراتيجية شمولية، لأن تهديد الإرهاب لا يقتصر على الشرق الأوسط، بل يهدد المجتمع الإنساني بأسره.
إن المناطق التي تم تحريرها من عصابة داعش الإرهابية في العراق وسوريا ليست نهاية المطاف؛ فداعش قد تظهر من جديد إذا لم نوفر حلولاً جذرية لمختلف الأزمات التي تمر بها بعض الدول العربية. ويجب أن نمنح الأمل لشعوب المنطقة، التي أرهقتها دوامة العنف والحروب. كما آن الأوان أن نوفر نوافذ الأمل أمام أجيال الحاضر والمستقبل.
ويجب أن لا ندع الأحداث في الشرق الأوسط تطغى على أشكال أخرى من القتل والعنف والترحيل الجماعي ضد المسلمين مثل ما يحدث في ميانمار، إذ لا بد من التأكيد هنا على إدانتنا الشديدة للجرائم والاعتداءات والمجازر الوحشية التي ترتكب ضد أقلية الروهينجا المسلمة في إقليم راخين في ميانمار، والتي أدت إلى قتل وتشريد عشرات الآلاف من الأبرياء المسلمين في الإقليم. وعلى المجتمع الدولي تحمل مسؤولياته الأخلاقية والقانونية والضغط على حكومة ميانمار لإنهاء هذه الأعمال الوحشية البشعة وحفظ حقوق الأقليات وحرية الأديان والمعتقدات للجميع.
وكالة الأنباء الأردنية: جلالة الملك، في إطار تعافي العراق، هل سيكون للأردن دور في تقريب وجهات النظر بين الفرقاء العراقيين، وإعادة العراق إلى محيطه العربي، خاصة في ظل علاقات الأردن المتميزة مع الحكومة العراقية، وما يحظى به من احترام لدى مكونات الشعب العراقي؟ جلالة الملك: موقف الأردن الداعم لجهود الحكومة العراقية في الحرب ضد داعش ثابت، وننظر بإيجابية للتقدم الذي يحرزه الجيش العراقي بالتعاون مع التحالف الدولي.
ولقد عانينا في الأردن كثيرا، خلال العقود الماضية، من انعكاسات الأزمات في العراق الشقيق، وبقينا الأقرب للشعب العراقي لأن موقفنا كان على الدوام واحدا وثابتا من جميع أطياف الشعب العراقي، الذي تجمعنا معه روابط تاريخية واجتماعية. نحن في الأردن لا يوجد لدينا أجندات في العراق سوى مصلحة شعبه وأمنه واستقراره.
وأود أن أؤكد هنا أننا نرى في عراق قوي مستقر مزدهر موحد بفئاته كافة، سندا أساسيا لمحيطه العربي وضرورة للمنطقة، فوحدة واستقرار وازدهار وأمن العراق، مصلحة أردنية عليا.
ومن الطبيعي أن يتوجه الأشقاء العراقيون بكل مكوناتهم للعمل معا لتحقيق المصالحة والوحدة الوطنية، فالإنجازات الأمنية يجب أن يقابلها تقدم سياسي يشمل جميع مكونات الشعب العراقي لقطع الطريق أمام الإرهاب والطائفية.
بدورنا في الأردن، وكرئيس للقمة العربية كذلك، سنستمر بتقديم كل الدعم الممكن والمطلوب لمساعدة العراق في تحقيق أهدافه في الأمن والاستقرار والازدهار.
وكالة الأنباء الأردنية: جلالة الملك، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، هل يوجد هناك جهود دولية حقيقية من أجل إعادة الفلسطينيين والإسرائيليين إلى طاولة المفاوضات؟ جلالة الملك: خلال تواصلي مع الرئيس الأميركي ترمب وأركان إدارته لمست التزاما بدعم جهود الوصول إلى حل يضمن السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو أمر إيجابي ومشجع. وأتوقع أن نرى ترجمة حقيقية لهذا الالتزام في المستقبل القريب، ومن الضروري أن يكون وفقا لحل الدولتين، باعتباره الحل الوحيد لإنهاء الصراع.
لا بد من التأكيد أيضا على أن القضايا الإقليمية مترابطة، فالتوصل إلى سلام عادل وشامل يضمن قيام دولة مستقلة للأشقاء الفلسطينيين على ترابهم الوطني وعاصمتها القدس الشرقية، من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار للمنطقة وشعوبها، وإن عدم إحراز أي تقدم في مسار عملية السلام من شأنه أن يؤجج مشاعر الإحباط والغضب لدى شعوب المنطقة ويخدم أجندة المتطرفين، الذين يستغلون الظلم الواقع على الفلسطينيين، والاعتداءات المتكررة على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف. وقد شهدنا ذلك مؤخرا خلال الأزمة الأخيرة في القدس الشريف.
ودعني أؤكد مجددا على أننا نواصل بموجب الوصاية الهاشمية حماية الأماكن المقدسة في مدينة القدس، ونسخِّر جميع إمكاناتنا للتصدي لأي محاولة للتقسيم الزماني والمكاني في المدينة.
كما أننا على تواصل دائم وتنسيق مستمر مع قيادة السلطة الوطنية الفلسطينية وعلى مختلف الصعد لاستئناف عملية السلام.
وكالة الأنباء الأردنية: جلالة الملك، نقترب من موعد انعقاد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ما هي أبرز الملفات على الأجندة الملكية؟ جلالة الملك: سأشارك وولي العهد في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي ستعقد الأسبوع المقبل، حيث سيلقي الأمير الحسين كلمة الأردن أمام الجمعية العامة. وسيكون لي العديد من اللقاءات مع زعماء وقادة الدول، حيث ستركز على عملية السلام، وبحث جهود محاربة الإرهاب، وكذلك القضايا الإقليمية وقضايا ثنائية اقتصادية.
وكالة الأنباء الأردنية: شكرا جلالة الملك.
جلالة الملك: شكرا لكم.
(بترا)
26-آذار-2018 00:00 ص